سورة التوبة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


جنات عدن: جنات الخلود. رضوان من الله: رضى من الله.
بعد أن ذكرا لله تعالى افعال المافقين وصفاتِهم المنكرة، وذكر ما أعدَّه لهم من العذاب في الدنيا والآخرة- بيّنَ لنا صفة المؤمنين والمؤمنات، الصادقين في في ايمانهم، الذين هُدُوا إلى الطّيب من القول، وساروا على الصراط المستقيم.
{والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر}.
إنهم نصراء بعضٍ يتّجهون بهذه الوَلاية إلى الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر، لتحقيق الخير ودفع الشر، مع التضامن والتعاون إلاعلاء كملة الله. وهم {يقيمون الصلاة} في اوقاتها، وهي الصلة التي تربطهم بالله، {ويؤتون الزكاة} تلك الفريضة العظيمة التي تربط بين جماعة المسلمين، وتحقّفِ الصورة الماديّة والروحية للولاية والتضامن، {ويطيعون اللهَ ورسولَه} بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي.
ماذا اعد الله لِلذين يتّصفون بهذه الصفات السامية؟
{أولئك سَيَرْحَمُهُمُ الله}.
ان الله يتعهدهم برحمته في الدنيا والآخرة.
فهذه الصفات الأربع في المؤمنين: الأمر بالمعروف. والنهي عن المنكر، واقامة الصلاة، وايتاء الزكاة- تقابلُ من صفاتِ المنافقين: الأمرَ بالمنكر، والنهيَ عن المعروف، ونسيانَ الله، وقبضَ الأيديد، وصفات المؤمنين هي التي وعدهم اللهُ عليها بالنصر والتمكين في الأرض، {الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وبعد أن بيّن رحمتَه للمؤمنين ونصره لهم إجمالاً بيّن ثانيةً ما وعدّهم به من الجزاء المفسِّر لرحته تفصيلاً فقال: {وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}.
لقد وعدهم اللهُ الجنةَ خالدين في نعيمها، وأعدَّ لهم مساكنَ تَطيبُ بها نفوسُهم في دار الاقامة والخلود. ولهم فوقها ما هو اكبر واعظم.
{وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ}.
وإن الجنةَ لك ما فيها من نعيم لَتتضاءل أمام ذلك الرضوان الكريم.
{ذلك هُوَ الفوز العظيم}.
وذلك الوعدُ بالنعميم الجسمانّي والروحاني هو الفوزُ العظيم الذي يُجزى به المؤمنون المخلصون.


الغلظة: الخشونة والشدة في المعاملة. وهموا بما لم ينالوا: ارادوا ان يعملوا شيئا لم يستطيعوا. وما نقموا: ما انكروا وعابوا.
بعد أن بيّن صفاتِ المؤمنين الصادقين، وصفةَ المنافقين الذين يدّعون الإيمان، اعاد الكرّة إلى تهديد المنافقين وإنذارِهم بالجهاد كالكفار المجاهرين بكفره، فان هؤلاء المنافقين قالوا كلمة الكفر، وكفروا بعد اسلامهم، وهموا بأم خيَّبهم الله فيه.
{يا أيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير}.
يا ايها النبيّ ثابرْ على جهادِك في رَدْع الكفار عن كفرهم، والمنافقين عن نفاقهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُلاينُ المنافقين، ويصفح عنهم كثيرا. لكن هذا كله لم يجد معهم، فأمره الله تعالى ان يعاملَهم بالشدّة والغِلظة لعلا تربيّيهم وتردعهم، أما مآلُهم الذي أعدّه الله لهم في الآخرة فهو جنهم وبئس المصير.
ثم ذكر الله سبحانه الجرائم الموجبةَ لجهادهم كالكفّار، وهي أنهم أظهروا الكفرَ بالقول وهموا بشرِّ ما يُغري به من الفعل، وهو الفتكُ برسول الله وهو عائد من تبوك. فقد تآمر بعض منهم على أن يفتكوا به عند عَقَبةٍ في الطريق، لكنه تنبّه وأخذَ الحَيْطة ونجّاه الله منهم.
{يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ}.
يحلف المنافقون أمامك يا محمد بالله أنهم ما قالوا منكَراً مما بلغَك عنهم، لكنهم كاذبون في الإنكار، فقد قالوا كلمةَ الكفر التي رويتْ عنهم، وظهر كفرهم بعد أن كانوا يتظاهرون بالاسلام. بل إنهم همّوا بما لم ينالوا.
وهذا ما رواه كثير من أئمة الحديث، أنهم أرادوا ان يغتالوا رسول الله ف منصرَفَه من تبوك عند العقبة على الطريق، وقد احتاط الرسولُ لذلك وأمر عمّار بن ياسر وحُذَيفة بن اليمان ان يكونا معه حتى اجتاز المكان. ولما غِشِيَه المتآمرون كانا منتبهَين فنجا رسول الله. وقد عرفهم حذيفة، وكانوا اثني عشر رجلاً كما في صحيح مسلم. وحاول بعض الصحابة ان يقتلهم فلم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «لا اريد ان يتحدّث الناس بأن محمداً قتل أصحابه».
{وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ}.
ما كان سبب نقمتهم على الرسول الا بَطَراً بالنعمة، بعد أن أغناهم الله ورسوله بما حَصلوا عليه من الغنائم التي شاركوا فيها المسلمين.
{فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَاباً أَلِيماً فِي الدنيا والآخرة}.
فان يرجعوا إلى الله بِتَرْكِ النفاق والندمٍ على ما كان منهم يَقْبَلِ اللهُ توبتهم، ويكون ذلك خيراً لهم، وان يُعرضوا عن الإيمان يعذّبهم الله في الدنيا بمختلف ألوان البلاء، وفي الآخرة بنار جهنم.
{وَمَا لَهُمْ فِي الأرض مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}.
وليس في الأرض من يدافع عنهم أو يشفع لهم وينصرهم.


أعقبهم: أورثهم ونجواهم: كلامهم الخفي.
تُعتبر هذه الآياتُ بياناً لحال طائفة اخرى من المنافقين: أغناهم اللهُ بعد فقرٍ، فلما كثر مالُهم وأصبحوا من الأغنياء كفرو النعممة وهضَموا الحقوق.
{وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصالحين}.
ومن المنافقين نَفَرٌ أعطى اللهَ عهدَه وميثاقه لئن آتاه مالاً وثروة لشكرنّ الله على نعمته بالصَدَقة، وليعلمنَّ عمل أهل الصلاح من صِلة الرَّحْم والإنفاق في سبيل الله.
{فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ}.
فلما استجاب الله لهم، وأعطاهم من فضله ما طلبوا، بخلوا بما أُوتوا وأمسكوه، فلم يتصدّقوا منه بشيء وانصرفوا عن الخير، وهم معرضون عنه وعن الله.
{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}.
كانت عاقبةُ بُخلِهم أن تمكَّنَ النفاقُ في قلوبهم إلى ان يموتوا ويلقوا الله يوم الحساب.
ثم ذكر سببين هما من أخصّ أوصاف المنافقين: إخلافُ الوعد والكذِب فقال: {بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}.
ذلك بسبب نقضِهم لعهدهم وكِذْبِهم في يمينهم.
{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب}.
الم يعملوا- وهم يدَّعون الإيمان- أن الله مطَّلِعٌ على السرائر، لا يخفى عليه ما يُضمِرونه في السر من نقض العهد، وما يتناجَوْن به في الخفاء من الطعن في الدين وتدبير المكايد للمسلمين! وان الله يعلم الغيوب كلَّها لا يخفى عليه شيء في هذا الكون.
وقد وردت عدة روايات في سبب نزول هذه الآيات. روى ابن جرير «ان ثَعلبةَ بن حاطِبٍ الأنصاري قال لرسول الله: ادعُ الله أن يرزقَني مالا، فقال له رسول الله: ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدّي شُكرَه خيرٌ من كثيرٍ لا تُطيقه.فراجعه مرة اخرى وقال: والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطينَّ كل ذي حق حقه، فدعا له فاخذ غنماً، فمنت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة. فنزل وادياً وانقطع عن الجماعة والجمعة. فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: كثُرَ ماله حتى لا يَسَعُه واد، فقال: يا ويح ثعلبة، فبعث رسلو الله مصدقين لاخذ الصدقات فاستقبلها الناس بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه وأقرآه الكتاب الذي فيه الفرائض فقال ما هذه الا جزية ما هذه الا اخت الجزية فارجعا حتى أرى رأيي، فلما جرعا اخبرا رسول الله بما قال ثعلبة، فقال: ويح ثعلبة، فانزل الله تعالى:{ومنهم من عاهد الله لئن آتاهم من فضله لنصدقن...} فسمع بذلك ثعلبة فجاء بالصدقة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله منعني ان اقبل منك صدقتك. فجعل يحثوا على رأسه التراب. وقبض رسول الهل فجاء أبا بكر الصديق فلم يقبلها، ثم جاء عمر فلم يقبلها، وجاء عثمان فمل يقبلها رضي الله عنهم، وهلك في خلافه عثمان».
وهذه الصورة من البشر موجودة في كل زمان ومكان، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الصوليون.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11